هو ابو امية شريح بن الحارث بن قيس الكندي من اهل اليمن و يقال ان اصله فارسي و اباؤه من فرس اليمن و الله اعلم
تابعي اسلم في زمن الرسول صلي الله عليه و سلم و لكنه لم يلتق بالرسول عليه الصلاة و السلام و جاء المدينة في خلافة ابو بكر الصديق
تولي القضاء زهاء الستون عاما و اول من ولاه القضاء هو الفاروق و سبب التوليه هذه القصة .
اشترى عمر رضي الله عنه فرسا من رجل من الأعراب وأعطاه ثمنه وعندما ركب عمر صهوة الفرس ومشى به إذا بالفرس لا يستطيع أن يسير لوجود عيب فيه فرجع عمر إلى الرجل وقال له خذ فرسك فإنه معطوب أي فيه عيب.
فقال الرجل يا أمير المؤمنين لا آخذه لأنني بعته لك وهو سليم فقال عمر اجعل بيني وبينك حكما.
فالتفت الرجل وقال يحكم بيننا شريح بن حارث الكندي فقال عمر رضيت به.
فذهب عمر مع صاحب الفرس إلى شريح ولما سمع شريح مقالة الأعرابي التفت إلى عمر وقال له هل أخذت الفرس سليما يا أمير المؤمنين..؟
فقال عمر: نعم فقال شريح احتفظ بما اشتريت أو رد كما أخذت.
وبعد أن سمع عمر هذا الكلام نسي قضية الفرس وقال متعجبا:
وهل القضاء إلا هكذا قول فصل وحكم عدل أي كلام موجز فاصل يحكم بالعدل.
ثم قال: سر إلى الكوفة فقد وليتك قضاءها.
ولما ولاه عمر قاضيا على الكوفة ما كان شريح مجهول المقام في المدينة وإنما كان معروفا وكانت له مكانة بين الصحابة والتابعين وكانوا يقدّرون له عقله ودينه وخلقه الرفيع وذكاءه وطول تجربته في الحياة وعمقه فيها.
و استمر في القضاء في زمن عمر ثم في زمن عثمان ثم علي ثم معاوية والذين جاؤوا بعد معاوية ولوه القضاء أيضا مثل يزيد بن معاوية ومروان وغيرهم.
إلى أن جاء الحجاج ورأى أن أحكامه لا تطبق فطلب الإعفاء من القضاء وكان عمره عندما أعفي من القضاء مائة وسبع سنوات رجمه الله تعالى.
لقد تولى القضاء وعمر سبع وأربعين سنة وبقي ستين سنة قاضيا حافلة حياته بالمفاخر والمآثر.
.
قصصه في القضاء اكثر من ان تحصر في هذا المجال و التي توضح عدله و ذكاؤه و فطنته في ظل خلفاء يمتازون بالعدل والإنصاف وتطبيق الشريعة.
ومن هذه القصص أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ظل خلافته افتقد درعا له وكانت غالية وعزيزة على نفسه رضي الله عنه وفي يوم من الأيام وجد هذه الدرع في يد ذمي أي نصراني من أهل الكوفة يبيع الدرع في سوق الكوفة.
فلما رآها علي عرفها فقال هذه درعي سقطت عن جمل لي في ليلة كذا في طريقي إلى صفين.
فقال الذمّي بل هي درعي يا أمير المؤمنين وفي يدي فكيف تدعي أنها لك.
قال علي إنما هي درعي لم أبعها لأحد ولم أهبها لأحد فكيف صارت لك...؟
قال الذمّي بيني وبينك قاضي المسلمين دعه يحكم بيننا فقال علي أنصفت فهلمّ إليه.
انظروا إلى القضاء بين الخليفة والذمي.
جلس الأمير علي والذمي في مجلس القاضي شريح فلما صارا عنده في مجلس القضاء قال شريح لعلي ما تقول يا أمير المؤمنين:
فقال علي وجدت درعي مع هذا الرجل سقطت منّي في يوم كذا في مكان كذا وهي لم تصل إليه ببيع ولا بهبة فكيف صارت له...؟
فقال شريح للذمّي فما تقول أنت يا رجل فقال الذمّي:
الدرع درعي وهي في يدي ولا أتهم أمير المؤمنين بالكذب.
وبحكم الإسلام إذا اختلف شخصان فإن الحكم هو البينة على المدعي واليمين على من أنكر وعلي رضي الله عنه يدعي أن هذه له ولا بد أن يأتي بالبينة مثل الشهود يشهدون على أن هذه له.
إذا لم تكن لديه بينة فاليمين على من أنكر ويحلف الرجل بأنها له وتنتهي المسألة.
فالتفت شريح بكل أدب إلى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الصحابي الصادق العابد العالم ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن يكذب في دعواه لهذا قال له شريح:
لا ريب عندي في أنك صادق في ما تقوله يا أمير المؤمنين وأن الدرع درعك ولكن لا بد لك من شاهدين يشهدان لك على صحة ما ادّعيت.
هنا قضية لا بد أن نلتفت إليه وهي لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه وقناعاته وإنما يجب أن يكون مجردا من قناعاته ومعلوماته الشخصية حتى يحكم بالدليل والبرهان.
قال علي نعم لدي مولاي قنبر وولدي الحسن يعرفان هذا الدرع ويشهدان لي.
فقال شريح يا أمير المؤمنين شهادة الابن لأبيه لا تجوز.
أي لا يجوز أن يشهد الأصل للفرع ولا العكس في القضاء ولا تقبل شهادة أحدهما للآخر.
فقال علي: سبحان الله رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
فقال شريح بلى يا أمير المؤمنين غير أنّي لا أجيز شهادة الولد لأبيه.
ثم التفت شريح إلى الذمي وقال له احلف فحلف وقال له شريح خذ الدرع.
فأخذ الذمي الدرع ومشى قليلا ثم رجع وقال والله إني لأشهد بأن الدرع لك يا أمير المؤمنين ولكن أمير المؤمنين يقاضيني عند قاض هو عينه وقاضيه يقضي بالحكم لي عليه أشهد أن الدين الذي يحكم بهذا لحق أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله.
اعلم أيها القاضي أن الدرع لأمير المؤمنين فأنا تبعت الجيش وهم في طريقهم إلى صفين وسقطت الدرع عن جمله الأورق فأخذته.
فقال له علي الكريم الجواد: أما إنك قد أسلمت فإني قد وهبنها لك ووهبتك معها هذا الفرس أيضا.
فأخذ الذمّي الذي أسلم الدرع والفرس مسرورا بهما ولم تمض أيام حتى شوهد هذا الذمّي يقاتل تحت لواء علي الخوارج يوم النهروان واستشهد في تلك المعركة رحمه الله تعالى.
ومن روائع شريح العادل الفذ أن ابنه قال له يوما يا أبت إن قوما بيني وبينهم خصوم فإن كان الحق لي قاضيتهم وإن كان لهم صالحتهم فقص عليه القصة فقال له شريح انطلق إليهم فقاضيهم أي أحضرهم للقضاء.
فرح الولد لأنه ظن أنه إن كان الحق معه فسيأخذه وإن كان عليه فسيصالح عليه القوم.
فمضى إلى خصومه ودعاهم إلى القضاء فاستجابوا له ولما امتثلوا بين يدي شريح وسمع من كلا الطرفين القصة حكم على ابنه ففاجأ الأب شريح ابنه ولم يطلب منه الصلح ولما رجع إلى البيت قال الابن لأبيه يا أبت لقد فضحتني.
والله لو إنني لم أشاورك لما حصل ما حصل فقال شريح لابنه:
يابني والله لأنت أحب إلي من ملء الأرض من أمثالهم لكن الله تعالى أعزّ علي منك.
أي أنت عندما أخبرتني بالقصة عرفت أن الحق لهم وخشيت إن قلت لك ذلك أن تذهب من ورائي وتصالحهم على الحق وتأخذ جزءا منهم بالصلح والاتفاق وخشيت أن يقع في يدك شيء من الظلم لهذا طلبت منك أن تحضرهم حتى لا يقع في يدك شيء من الظلم.
سبحان الله تعالى على هذا الرجل.
وقد ثبت أن ابن شريح كفل رجلا وضمنه ولكن هذا الرجل فرّ من القضاء فأمر شريح بسجن ابنه حتى يأتي الرجل وكان شريح ينقل الطعام إلى ابنه في السجن.