ألقى الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أبا ذر في يوم سؤال :' يا أبا ذر ، كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء '000فأجاب قائلا
اذا والذي بعثك بالحق ، لأضربن بسيفي )000فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ' أفلا أدلك على خير من ذلك ؟000اصبر حتى تلقاني '000وحفظ أبو ذر وصية الرسول الغالية فلن يحمل السيف بوجوه الأمراء الذين يثرون من مال الأمة ، وانما سيحمل في الحق لسانه البتار000
جهاده بلسانه
ومضى عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن بعده عهد أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- ، في تفوق كامل على مغريات الحياة وفتنتها ، وجاء عصر عثمان -رضي الله عنه- وبدأ يظهر التطلع الى مفاتن الدنيا ومغرياتها ، وتصبح السلطة وسيلة للسيطرة والثراء والترف ، رأى أبو ذر ذلك فمد يده الى سيفه ليواجه المجتمع الجديد ، لكن سرعان ما فطن الى وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :' وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ '000فكان لابد هنا من الكلمة الصادقة الأمينة ، فليس هناك أصدق من أبي ذر لهجة ، وخرج أبو ذر الى معاقل السلطة والثروة معترضا على ضلالها ، وأصبح الراية التي يلتف حولها الجماهير والكادحين ، وذاع صيته وهتافه يردده الناس أجمعين
بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة )000
وبدأ أبو ذر بالشام ، أكبر المعاقل سيطرة ورهبة ، هناك حيث معاوية بن أبي سفيان وجد أبو ذر -رضي الله عنه- فقر وضيق في جانب ، وقصور وضياع في الجانب الآخر ، فصاح بأعلى صوته
عجبت لمن لا يجد القوت في بيته ، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه )000ثم ذكر وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بوضع الأناة مكان الانقلاب ، فيعود الى منطق الاقناع والحجة ، ويعلم الناس بأنهم جميعا سواسية كأسنان المشط ، جميعا شركاء بالرزق ، الى أن وقف أمام معاوية يسائله كما أخبره الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غير خوف ولا مداراة ، ويصيح به وبمن معه
أفأنتم الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهم ؟؟)000ويجيب عنهم
نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن ، وشهدتم مع الرسول المشاهد)، ويعود بالسؤال
أولا تجدون في كتاب الله هذه الآية :'000
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم000يوم يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها جباههم ، وجنوبهم ، وظهورهم ، هذا ما كنزتم لأنفسكم ، فذوقوا ما كنتم تكنزون '000
فيقول معاوية
لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب )000فيصيح أبو ذر
لا000بل أنزلت لنا ولهم )000 ويستشعر معاوية الخطر من أبي ذر فيرسل الى الخليفة عثمان -رضي الله عنه-
ان أبا ذر قد أفسد الناس بالشام )000فيكتب عثمان الى أبي ذر يستدعيه ، فيودع الشام ويعود الى المدينة ، ويقول للخليفة بعد حوار طويل
لا حاجة لي في دنياكم )000وطلب الاذن بالخروج الى ( الربذة )000وهناك طالبه البعض برفع راية الثورة ضد الخليفة ولكنه زجرهم قائلا
والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة ، أو جبل، لسمعت وأطعت ، وصبرت واحتسبت ، ورأيت ذلك خيرا لي )000
فأبو ذر لا يريد الدنيا ، بل لا يتمنى الامارة لأصحاب رسول الله ليظلوا روادا للهدى 000لقيه يوما أبو موسى الأشعري ففتح له ذراعيه يريد ضمه فقال له أبو ذر
لست أخيك ، انما كنت أخيك قبل أن تكون واليا وأميرا )000كما لقيه يوما أبو هريرة واحتضنه مرحبا ، فأزاحه عنه وقال
اليك عني ، ألست الذي وليت الامارة ، فتطاولت في البنيان ، واتخذت لك ماشية وزرعا )000وعرضت عليه امارة العراق فقال
لا والله000لن تميلوا علي بدنياكم أبدا )000
اقتدائه بالرسول
عاش أبو ذر -رضي الله عنه- مقتديا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو يقول
أوصاني خليلي بسبع ، أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر الى من هو دوني ولا أنظر الى من هو فوقي ، وأمرني ألا أسأل أحدا شيئا ، وأمرني أن أصل الرحم ، وأمرني أن أقول الحق ولو كان مرا ، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم ، وأمرني أن أكثر من : لاحول ولا قوة الا بالله )000وعاش على هذه الوصية ، ويقول الامام علي - رضي الله عنه -
لم يبق اليوم أحد لايبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر )000
وكان يقول أبو ذر لمانعيه عن الفتوى
والذي نفسي بيده ، لو وضعتم السيف فوق عنقي ، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن تحتزوا لأنفذتها )000ورآه صاحبه يوما يرتدي جلبابا قديما فقال له
أليس لك ثوب غير هذا ؟000لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين ؟)000فأجابه أبو ذر
يا بن أخي ، لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما مني )000قال له
والله انك لمحتاج اليهما )000فأجاب أبو ذر
اللهم غفرا انك لمعظم للدنيا ، ألست ترى علي هذه البردة ، ولي أخرى لصلاة الجمعة، ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟)000
وفاته
في ( الربذة ) جاءت سكرات الموت لأبي ذر الغفاري ، وبجواره زوجته تبكي ، فيسألها
فيم البكاء والموت حق ؟)000فتجيبه بأنها تبكي
لأنك تموت ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا !)000فيبتسم ويطمئنها ويقول لها
لا تبكي ، فاني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول :' ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض ، تشهده عصابة من المؤمنين '000وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية ، ولم يبق منهم غيري ، وهأنذا بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق فستطلع علينا عصابة من المؤمنين ، فاني والله ما كذبت ولا كذبت )000وفاضت روحه الى الله ، وصدق000فهذه جماعة مؤمنة تأتي وعلى رأسها عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما أن يرى وجه أبي ذر حتى تفيض عيناه بالدمع ويقول
صدق رسول الله ، تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك )000وبدأ يقص على صحبه قصة هذه العبارة التي قيلت في غزوة تبوك كما سبق ذكره000
الكاتب: Story